الاثنين، 2 سبتمبر 2013

من أجل مشاريع صغيرة ناجحة بلا تعثرات


عمر الجريفاني


تأسيس أي مشروع حلمٌ يراود الكثيرين، ولا شك أن تحقيق مثل هذا الحلم لا يتوقف على مجرد التأمل ورسم الخطط في الفراغ، وإنما ترافقه همة وجد واجتهاد ومواصلة ليل بنهار، ومن قبلها دراسات ودراسات، واكتساب خبرات، واستطلاعات متتاليات، ثم يتوكل العبد على ربه، ويسأله التوفيق، ويأخذ بجميع الأسباب الممكنة للنجاح، وفي النتيجة إنما هو رزق ينزل على عباد الله بقدر.
وبصورة مقربة على واقعنا الحالي، نجد أن الجميع يعزف على وتر المشاريع الصغيرة، ويقول إنها الحل السحري لمشاكلنا العديدة مثل: البطالة، وتنويع الاقتصاد الوطني، ورفع مستوى الدخل، وغيرها كثير، ولكن قد تكون المشاريع الصغيرة مشكلة تترتب عليها ديون ومشاكل مالية قد تودي بأصحابها إلى السجون، وهو ما يدعونا إلى ألا ننظر إلى الجانب الوردي فقط من تأسيس المشاريع، وإنما نكون أكثر واقعية في التحسب لظروف المستقبل والوقوف على أهبة الاستعداد لكل طارئ.
وربما يرى كثير من القراء أن هذا المقال يصيب الشباب بالإحباط، ويغلق أمامهم أبواب السعادة والثراء، وأقول ـــ توضيحاً لا دفاعاً ـــ إن كل إنسان ميسر لما خلق لما له، وإن تذليل الأرض لا يعني أن كل الأقدام صالحة للمشي في مناكبها، أو العقول للبحث في أرجائها، وهذا واضح في تسابق الأمم، وتفاوت منازلها في الأخذ بزمام التطور، وسلالم الحضارة كل حسب جده واجتهاده وتفوقه في أسباب النجاح والريادة.
نبدأ من عبارة ''كل إنسان ميسر لما خلق له''، فهنا يجب أن تقيس نفسك وتكون واضحاً معها، فالموظف العادي يعمل ثماني ساعات يومياً، أما المبادر فيعمل ما لا يقل عن 16 ساعة، فهل أنت مستعد لذلك؟ فالموظف إذا عمل أو لم يعمل يحصل على راتبه، أما المبادر فإنه إذا لم يعمل لم يحصل على أي شيء، فهل أنت مستعد لمثل هذا الضغط النفسي؟ أيضاً، الموظف يوجد من يوجهه في العمل، أما المبادر فإنه يدخل بحراً متلاطم الأمواج ليس فيه من موجه له، لأنه هو الربان، فهل أنت مستعد لهذه المجازفة؟ والموظف يحصل على إجازات مدفوعة الثمن، أما المبادر فهو رائد الأعمال، ولا يحصل على أي إجازة، فهل أنت مستعد للعمل كمكينة لا تعرف الهدوء أو التعب؟
هذه بعض النقاط التي يجب أن تكون واضحة قبل أن تبدأ.
ولا شك أن من أهم أسباب فشل المشاريع عدم وجود الخبرة والمعرفة، فكثير ممن يبدؤون مشاريعهم التجارية لا توجد لديهم أي دراسة لطبيعة المشروع، إذاً من الطبيعي أن يفشل، فماذا يحصل عادة عندما يعتمد المبادر أو رائد الأعمال على عامل أجنبي لديه الخبرة، ويقوم هو بدفع الأموال من دون معرفته بأسرار هذا العمل مع أن الخطوة الأولى للنجاح في أي عمل هو أن تمارس العمل بنفسك، مثلاً: إذا كنت تريد أن تفتتح مطعماً أعمل فيه لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وتعلم كيف يدار، لكي تتجنب أنواع الغش والغبن والفشل.
السبب الثاني هو أن رأس المال غير كاف، وكثير من المشاريع تفشل بسبب عدم عمل دراسة منطقية واقعية لعدم وجود خبرة في مجال العمل، وإنما يسأل الأجانب: كم نحتاج، فيجيبوه: 100 ألف ريال، ويأخذ هذا الرقم على أنه من المسلمات، كما أنه لا يعلم أن هناك إجراءات حكومية ستأخذ منه وقتاً لا يقل عن ثلاثة أشهر، وعليه أيضاً تحمل تكاليف إيجار المحل، ورواتب يدفعها قبل أن يبدأ في العادة، لذلك، ففي دراسات الجدوى يجب أن تضع من ضمن الدراسة قيمة نفقات الأشهر الثلاثة الأولى دون أن تنتظر أن يكون لها وارد، أنا أقول إن الوقع الصحيح في السعودية هو إذا لم يكن لديك مصاريف السنة الأولى كاملة، فسوف تضطر إلى غلق نشاطك في أول ستة أشهر، لذلك يجب أن تكون واقعياً لا تفترض فرضيات غير واقعية.
السبب الثالث هو الموقع السيئ لمشروعك، فيجب عليك أن تعرف نوع زبونك، وتختار الموقع المناسب له، وإذا لم تجد الموقع المناسب لا تبدأ فيه مهما كلف الأمر لأن عواقبه وخيمة، على سبيل المثل في نشاط المطاعم والمقاهي فإن الموقع مهم جداً قد يشكل نسبة 50 في المائة من نجاح أو فشل المشروع، بمعنى أنك إذا أردت استهداف طبقة راقية في المطعم الذي تريد افتتاحه فيجب أن يكون ذلك في مكان راق جداً وإلا لن تجد أي زبون.
السبب الرابع، هو سوء إدارة المخزون، وبمثال على نشاط المطاعم أيضاً، أنه إذا كان لديك مخزون عال من الأغذية أكثر من حاجتك الفعلية وفسد لسبب ما فإن معنى ذلك أنك خسرت مالاً، وإذا كان لديك مخزون أقل من حاجتك فلن تستطيع أن تلبي طلبات عملائك، وتكون في هذه الحالة قد خسرت المال أيضاً بضياع الفرصة، لذا فإن موضوع المخزون مهم جداً وحساس للغاية.
السبب الخامس المبالغة في الاستثمار بالأصول الثابتة، مثال على المطعم حتى يتضح الأمر، عندما تبالغ في المعدات المستخدمة والطاولات والكراسي الخاصة بمشروعك، فسيؤثر ذلك في السيولة، وستنخفض قيمة هذه الأصول التي لا تورد لك مالاً، وتصبح لديك مشكلة في السيولة وربما تسبب لك الانهيار.
السبب السادس، سياسة الدين، تذكر أنك شركة أو مؤسسة ولست بنكاً، ويجب أن تحصّل أموالك في أسرع وقت ممكن، وأن تأخير تسلم النقود (التحصيل) للمشاريع الصغيرة عن مدة 30 يوما، كبيرة عليهم، وقد تصيب الشركة في مقتل في حال تعثر أكثر من عميل في السداد، وإذا كان لا بد من أن تقدم خدمة البيع بالآجل فلتكن لنسبة لا تتجاوز 30 في المائة من عملائك، والتحصيل خلال 30 يوماً كحد أقصى.
السبب السابع، استخدام إيرادات الشركة للحاجات الشخصية، يجب أن تحدد لك راتباً واضحاً حتى لو كنت أنت مالك المشروع، ولا تأخذ أكثر من هذا المبلغ، لأن هذا سيؤثر في سيولة الشركة، ثم استمتع بالأرباح التي توزع نهاية كل سنة.
السبب الثامن، المنافسة، يجب أن تحترم منافسك ولا تستصغره مهما كان لأنه قد يقضي عليك.
التاسع والأخير، انخفاض المبيعات لديك، إذا انخفضت المبيعات ماتت الشركة، ويجب أن تضع لك مؤشر مراقبة للمبيعات ''يومي وأسبوعي وشهري''، وإذا انخفض فيجب أن تعرف ما سبب الانخفاض، وتعالج الأمر بسرعة وحكمة في الوقت نفسه.
أتأمل خيراً في من يراجع هذه القيود التي جمعتها لك عن دراية ودراسة حتى لا نرى المزيد من المشاريع المتعثرة، وما دمت على بر الأمان، أتمنى أن تبدأ عملك التجاري، وأتمنى لك كل التوفيق والنجاح وإن شاء الله تكون من بين أفضل 100 شركة في المملكة ثم العالم، وإن شككت في هذه المنزلة، فلا تبدأ مشروعك لأنك أصلاً لا تزال تعاني أزمة ثقة كبيرة به، فكيف لو بدأ!

ليست هناك تعليقات:
إضافة تعليق

مقالات أخرى ×